سورة الذاريات - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الذاريات)


        


{والذاريات ذَرْواً} يعني الرياح تذرو التراب وغيره، أو النساء الولود فإنهن يذرين الأولاد، أو الأسباب التي تذري الخلائق من الملائكة وغيرهم. وقرأ أبو عمرو وحمزة بإدغام التاء في الذال.
{فالحاملات وِقْراً} فالسحب الحاملة للأمطار، أو الرياح الحاملة للسحاب، أو النساء الحوامل، أو أسباب ذلك. وقرئ: {وِقْراً} على تسمية المحمول بالمصدر.
{فالجاريات يُسْراً} فالسفن الجارية في البحر سهلاً، أو الرياح الجارية في مهابها، أو الكواكب التي تجري في منازلها. و{يُسْراً} صفة مصدر محذوف أي جرياً ذا يسر.
{فالمقسمات أَمْراً} الملائكة التي تقسم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرها، أو ما يعمهم وغيرهم من أسباب القسمة، أو الريح يقسمن الأمطار بتصريف السحاب، فإن حملت على ذوات مختلفة بالفاء لترتيب الأقسام بها باعتبار ما بينها من التفاوت في الدلالة على كمال القدرة، وإلا فالفاء لترتيب الأفعال إذ الرياح مثلاً تذرو الأبخرة إلى الجو حتى تنعقد سحاباً، فتحمله فتجري به باسطة له إلى حيث أمرت به فتقسم المطر. {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لصادق}.
{وَإِنَّ الدين لَوَاقِعٌ} جواب القسم كأنه استدل باقتداره على هذه الأشياء العجيبة المخالفة لمقتضى الطبيعة على اقتداره على البعث للجزاء الموعود، وما موصولة أو مصدرية و{الدين} الجزاء والواقع الحاصل.
{والسماء ذَاتِ الحبك} ذات الطرائق، والمراد إما الطرائق المحسوسة التي هي مسير الكواكب أو المعقولة التي يسلكها النظار وتتوصل بها إلى المعارف، أو النجوم فإن لها طرائق أو أنها تزينها كما يزين الموشي طرائق الوشي. جمع حبيكة كطريقة وطرق أو حباك كمثال ومثل. وقرئ: {الحبك} بالسكون و{الحبك} كالإِبل و{الحبك} كالسلك و{الحبك} كالجبل و{الحبك} كالنعم و{الحبك} كالبرق.
{إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ} في الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قولهم تارة أنه {شَاعِرٌ} وتارة أنه {ساحر} وتارة أنه {مَّجْنُونٍ}، أو في القرآن أو القيامة أو أمر الديانة، ولعل النكتة في هذا القسم تشبيه أقوالهم في اختلافها وتنافي أغراضها بطرائق السموات في تباعدها واختلاف غاياتها.
{يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} يصرف عنه والضمير للرسول أو القرآن أو الإيمان، من صرف إذ لا صرف أشد منه فكأنه لا صرف بالنسة إليه، أو يصرف من صرف في علم الله وقضائه ويجوز أن يكون الضمير لل {قَوْلَ} على معنى يصدر {أُفِكَ} من أفك عن القول المختلف وبسببه كقوله:
ينهون عن أكل وعن شرب ***
أي يصدر تناهيهم عنهما وسببهما وقرئ: {أُفِكَ} بالفتح أي من أفك الناس وهم قريش كانوا يصدون الناس عن الإِيمان.


{قُتِلَ الخرصون} الكذابون من أصحاب القول المختلف، وأصله الدعاء بالقتل أجري مجرى اللعن.
{الذين هُمْ فِى غَمْرَةٍ} في جهل يغمرهم. {ساهون} غافلون عما أمروا به.
{يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدين} أي فيقولون متى يوم الجزاء أي وقوعه، وقرئ: {إيَّانَ} بالكسر.
{يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ} يحرقون جواب للسؤال أي يقع {يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ}، أو هو {يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ}، وفتح {يَوْمٍ} لإِضافته إلى غير متمكن ويدل عليه أنه قرئ بالرفع.
{ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ} أي مقولاً لهم هذا القول. {هذا الذى كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} هذا العذاب هو الذي كنتم به تستعجلون، ويجوز أن يكون هذا بدلاً من {فِتْنَتَكُمْ} و{الذى} صفته.
{إِنَّ المتقين فِى جنات وَعُيُونٍ ءاخِذِينَ مَا ءاتاهم رَبُّهُمْ} قابلين لما أعطاهم راضين به، ومعناه أن كل ما آتاهم حسن مرضي متلقى بالقبول. {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} قد أحسنوا أعمالهم وهو تعليل لاستحقاقهم ذلك.
{كَانُواْ قَلِيلاً مّن اليل مَا يَهْجَعُونَ} تفسير لإِحسانهم و{مَا} مزيدة أي يهجعون في طائفة من الليل، أو {يَهْجَعُونَ} هجوعاً قليلاً أو مصدرية أو موصولة أي في قليل من الليل هجوعهم، أو ما يهجعون فيه ولا يجوز أن تكون نافية لأن {مَا} بعدها لا يعمل فيما قبلها. وفيه مبالغات لتقليل نومهم واستراحتهم ذكر القليل و{اليل} الذي هو وقت السبات، والهجوع الذي هو الفرار من النوم وزيادة {مَا}.
{وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أي أنهم مع قلة هجوعهم وكثرة تهجدهم إذا أسحروا أخذوا في الاستغفار كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم، وفي بناء الفعل على الضمير إشعاراً بأنهم أحقاء بذلك لوفور علمهم بالله وخشيتهم منه.
{وَفِى أموالهم حَقٌّ} نصيب يستوجبونه على أنفسهم تقرباً إلى الله وإشفاقاً على الناس. {لَّلسَّائِلِ والمحروم} للمستجدي والمتعفف الذي يظن غنياً فيحرم الصدقة.
{وَفِى الأرض ءايات لّلْمُوقِنِينَ} أي فيها دلائل من أنواع المعادن والحيوانات، أو وجوه دلالات من الدحو والسكون وارتفاع بعضها عن الماء واختلاف أجزائها في الكيفيات والخواص والمنافع، تدل على وجود الصانع وعلمه وقدرته وإرادته ووحدته وفرط رحمته.
{وَفِى أَنفُسِكُمْ} أي وفي أنفسكم آيات إذ ما في العالم شيء إلا وفي الإِنسان له نظير يدل دلالته مع ما انفرد به من الهيئات النافعة والمناظر البهية والتركيبات العجيبة، والتمكن من الأفعال الغريبة واستنباط الصنائع المختلفة واستجماع الكمالات المتنوعة. {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} تنظرون نظر من يعتبر.


{وَفِى السماء رِزْقُكُمْ} أسباب رزقكم أو تقديره. وقيل المراد ب {السماء} السحاب وبالرزق المطر فإنه سبب الأقوات. {وَمَا تُوعَدُونَ} من الثواب لأن الجنة فوق السماء السابعة، أو لأن الأعمال وثوابها مكتوبة مقدرة في السماء. وقيل إنه مستأنف خبره: {فَوَرَبّ السماء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ} وعلى هذا فالضمير ل {مَا} وعلى الأول يحتمل أن يكون له ولما ذكر من أمر الآيات والرزق والوعد. {مّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} أي مثل نطقكم كما أنه لا شك لكم في أنكم تنطقون ينبغي أن لا تشكوا في تحقق ذلك، ونصبه على الحال من المستكن في لحق أو الوصف لمصدر محذوف أي أنه لحق حقاً مثل نطقكم. وقيل إنه مبني على الفتح لإضافته إلى غير متمكن وهو ما إن كانت بمعنى شيء، وإن بما في حيزها إن جعلت زائدة ومحله الرفع على أنه صفة {لَحَقُّ}، ويؤيده قراءة حمزة والكسائي وأبي بكر بالرفع.
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبراهيم} فيه تفخيم لشأن الحديث وتنبيه على أنه أوحي إليه، والضيف في الأصل مصدر ولذلك يطلق على الواحد والمتعدد. قيل كانوا إثني عشر ملكاً. وقيل ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل، وسماهم ضيفاً لأنهم كانوا في صورة الضيف. {المكرمين} أي مكرمين عند الله أو عند إبراهيم إذ خدمهم بنفسه وزوجته.
{إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ} ظرف لل {حَدِيثُ} أو ال {ضَيْفِ} أو {المكرمين}. {فَقَالُواْ سَلامًا} أي نسلم عليك سلاماً. {قَالَ سلام} أي عليكم سلام عدل به إلى الرفع بالابتداء لقصد الثبات حتى تكون تحيته أحسن من تحيتهم، وقرئا مرفوعين وقرأ حمزة والكسائي {قال سلم} وقرئ منصوباً والمعنى واحد. {قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} أي أنتم قوم منكرون، وإنما أنكرهم لأنه ظن أنهم بنو آدم ولم يعرفهم، أو لأن السلام لم يكن تحيتهم فإنه علم الإِسلام وهو كالتعرف عنهم.
{فَرَاغَ إلى أَهْلِهِ} فذهب إليهم في خفية من ضيفه فإن من أدب المضيف أن يبادر بالقرى حذراً من أن يكفه الضيف أو يصير منتظراً. {فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ} لأنه كان عامة ماله البقر.
{فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} بأن وضعه بين أيديهم. {قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ} أي منه، وهو مشعر بكونه حنيذا، والهمزة فيه للعرض والحث على الأكل على طريقة الأدب أن قاله أول ما وضعه، وللإِنكار إن قاله حينما رأى إعراضهم.
{فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} فأضمر منهم خوفاً لما رأى إعراضهم عن طعامه لظنه أنهم جاؤوه لشر. وقيل وقع في نفسه أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب. {قَالُواْ لاَ تَخَفْ} إنا رسل الله. قيل مسح جبريل العجل بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه فعرفهم وأمن منهم. {وَبَشَّرُوهُ بغلام} هو اسحاق عليه السلام. {عَلِيمٌ} يكمل علمه إذ بلغ.
{فَأَقْبَلَتِ امرأته} سارة إلى بيتها وكانت في زاوية تنظر إليهم. {فِى صَرَّةٍ} في صيحة من الصرير، ومحله النصب على الحال أو المفعول إن أول فأقبلت بأخذت. {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} فلطمت بأطراف الأصابع جبهتها فعل المتعجب. وقيل وجدت حرارة دم الحيض فلطمت وجهها من الحياء. {وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} أي أنا عجوز عاقر فكيف ألد.

1 | 2